هل العلوم التجريبية نسبية ام يقينية؟
طـــرح المـــشــــكــــلــــة
العلوم التجريبية وهي العلوم التي تهتم بدراسة الظواهر الطبيعية المادية والتي تصنف الى نوعين المادة الجامدة والتي لا تؤدي اي وظائف حيوية والمادة الحية ويقصد بها التي تؤدي وظائف حيوية (تنفس تكاثر) حيث تعتمد هذه العلوم على المنهج التجريبي والذي بدوره قائم على مراحل اساسية ( الملاحظة ، الفرضية ،التجربة) والتي تنتهي بالقانون العلمي الى أن هذا الاخير ونتائجها اثار جدلا كبيرا وسط كبار الفلاسفة والعلماء اذ يذهب البعض الى ان نتائج هذه العلوم دقيقة ويقينية ولا تقبل الخطأ أو الشك بينما يرى البعض الاخر انها مجرد نتائج نسبية تحتمل الخطأ وهنا يحق لنا التساؤل ، هل حقا نتائج العلوم التجريبية يقينية ومطلقة؟؟ ام انها نسبية فقط؟
مـــحــــاولــــة حـــل المــــشـــــكـــــلـــــة:
يرى انصار الموقف الاول ومن بينهم لابلاس كانط ونيوتن أن نتائج العلوم التجريبية تعبر عن المطلق وهي يقينية تعبر عن حقائق علمية دقيقة وموضوعية واستدلو على ذلك بما يلي:
-خضوع الظواهر الطبيعية لمبدا الحتمية المطلق والذي يؤكد ان نفس الاسباب ونفس الشروط تؤدي الى نفس النتائج وهذا مايجعل العلوم التجريبية تعبر عن النتائج المطلقة كما يقول كلود برنار (العلم حتمي بالبداهة ، وهو يضع الحتمية موضع البيديهيات ، فلولاها لما أمكن ان يكون).
-خضوع الطبيعة الى قوانين صارمة ونظام ثابت فظواهرها لا تحدث بصفة عشوائية بل يتكرر حدوثها بصفة منتظمة ومثال ذلك (عند زيادة قطر فوهة البركان فهذا معناه حدوث بركنة انفجارية في الساعات القليلة القادمة)
-خضوع الظواهر لمبدأ السببية الذي لايمكن ان يتطرق اليه الشك فهو مبدا عقلي يدل على ان لكل ظاهرة هناك سبب يحدثها ونفس السبب يؤدي الى نفس النتيجة وهو مأكده كانط.
-كل هذه الخصوصية في النتائج التجريبية فتحت للانسان **** ****انية التنبؤ بالظواهر قبل حدوثها ومثال ذلك التنبؤ بظاهرة الكسوف ، والماء يغلي عند درجة 100 ويتجمد عند 0 فلا شك في ذلك ولا وجود للصدفة اذ قيل "الصدفة خرافة اخترعت لتبرير جهلنا"
*لا يمكن انكار هذه الحجج لكن فيها مبالغة فتاريخ العلم لا يعبر عن حقائق مطلقة بل عن اخطاء وجب تصحيحها بمعارف جديدة وهو مايؤكده التطور الحاصل في مجال العلوم التجريبية فلو كانت النتائج حقا مطلقة لتوقف الابحاث والاكتشافات العلمية منذ زمن.
-يرى أنصار الموقف الثاني ومن بينهم ماكس بلانك وهيزنبرغ ان نتائج العلوم التجريبية نسبية واحتمالية فقط وليسيت يقينية واستدلو على ذلك بما يلي:
-العلماء الذين درسو مجال العالم الاصغر (الميكروفيزياء) توصلو الى ان هذه الظواهر تخضع لللاحتمية وليس للحتمية حسب هيزنبرغ يستحيل تعيين موقع الالكترون وسرعته ومساره على وجه الدقة لانه يتحرك عشوائيا وبسرعة فائدة كانه يختار مساره بنفسه ومنه استحالة تطبيق قانون السرعة لقياسه او التنبؤ به.
- قصور أدوات الباحث او حدوث خلل بها يؤدي الى الوقوع في الخطأ اثناء التجريب وهذا ماينعكس على النتائج ولذلك لا يمكن وضع الثقة الكاملة في نتائج العلوم التجريبية.
-تقوم العلوم التجريبية على استقراء ناقص مايجعل عملية تعميم التنبؤ غير دقيقة ومثال ذلك مايقع في الارصاد الجوية فدوما ماتكون النتيجة عكس المتوقعة.
-الظواهر الطبيعية تتصف بالتغير المستمر مايجعل النتائج متغيرة اذ يقول هيراقليطس (الصيرورة هي جوهر الكون والبقاء الذي ننسبه للاشياء مجرد خداع حسي.
* لكن رغم ماقدمه انصار هذا الموقف تبقى حججهم ناقصة ولا يمكن الوثوق برايهم فانكار مبدا الحتمية والسببية ليس سوى انكار للعلم ودقة نتائجه وبالتالي الغاء كل القوانين العلمية وكذلك البحوث التي اثبتت ان عالم الميكرو فيزياء يخضع لللاحتمية وحساب الاحتمال يعود لمستوى التقنية المستعملة حاليا فقد تتطور التقنية وعندئذ يمكن تحديد موقع وسرعة ومسار الالكترون بدقة وفي آن واحد.
*نتيجة للانتقادات الموجهة لكلا الاتجاهين يمكننا التوفيق بينهما بالقول ان العلوم المعاصرة لجات الى الاعتماد على مبدا الاحتمالات في عالم الميكرو فيزياء اي العالم متناهي الصغر لانها لا تقبل مبدا الحتمية لكن ذلك لا يمنع تطبيق مبدا الحتمية على عالم الماكروفيزياء اي العالم المتناهي في الكبر الى ان بعض العلماء المعاصرين مثل انشطاين اكدو ان العلوم التجريبية تبقى نسبية لعدة اعتبارات وذلك لان المعرفة الانسانية تبقى نسبية
حــــل المــــشـــــكـــــلــــــة:
ختاما ومما سبق نستنتج ان اي بحث علمي لا يخرج عن نطاق التسليم بمبدا الحتمية فالتطور الحاصل في الفيزياء لا يهدم فكرة الحتمية لانها مبدا علمي تقوم عليه الدراسات التجريبية بل يرفض التسليم بانها مطلقة ولا تتغير وهذا ماكده لانفجان حيث قال (أن نظرية الذرة في الفيزياء لا تهدم مبدا الحتمية ، بل تهدم فكرة القوانين الصارمة الاكيدة اي تهدم المذهب التقليدي) كما انه كلما تطورت وسائل الملاحظة والتجربة كانت النتائج اكثر دقة ويقينا.[