هل يجب مقابلة العنف بالعنف أم بالتسامح؟

هل يجب مقالة العنف بالعنف أم بالتسامح؟

طــــرح المـــشــــكــــــلـــــــــة

العنف سلوك غير أخلاقي مكروه له آثار سلبية على من يقع عليه وقد اختلفت اراء الفلاسفة حوله حيث يؤكد البعض على انه من الضروري رد الأذى على من اعتدى بينما يرى اخرون انه رد العنف بالعنف لا يزيد سوى من تفاقمه ومن الاجدر الرد بالتسامح وهنا يحق لنا التسائل ما السبيل للحد من ظاهرة العنف؟ هل من خلال مقابلة العنف بالعنف ؟ أم بالتسامح؟

مـــــحـــــاولـــــة حــــــل المــــشـــــكـــــلـــــــة

  *يرى بعض الفلاسفة والمفكرين امثال كارل ماكس انه يجب رد العنف بعنف مضاد ونفو الرد بالتسامح واستدلو على ذلك بادلة كثيرة منها:
-يرى الفيلسوف اليوناني القديم هيراقليطس ان العنف هو أصل الكون ومحركه فالشيء يأتي من نفي وتحطيم الشيء الآخر حيث يقول هيراقليطس " القتال هو أب سائر الاشياء وملك كل شيء".
-مقابلة العنف بعنف كان تاريخيا وهو الوسيلة المثلى لاسترجاع الحقوق المسلوبة وهذا مايؤكده مسلسل صراع الحضارات والحروب العالمية يقول احد الفلاسفة " ان ازدواجية الانا والاخر تتالف في شكل صراع" فطبيعة الانسان تتميز بالاثرة والانانية ولاستمرار بقائها لابد من اقصاء الاخر.
-يؤكد فروييد على ان العنف سلوك عدواني فطري في الانسان ولذلك يستمر وجوده مع وجود الحياة فالانسان شرير بطبعه وميال إلى العنف.
-العنف له مبرر ديني فهو وسيلة ضرورية للجهاد في سبيل الله هدفه نشر الدين الاسلامي والانتصار له وهذا عند بعض المسلمين.
نــــقــــد: * لا يمكن انكار هذه الحجج إلا ان هناك مبالغة كبيرة في العنف فالعنف لا يولد إلا عنفا مستمرا وهذا يؤدي الى تحطيم العلاقات بذل بنائها بين الافراد والاسر والمجتمعات كما ان العنف يعبر عن تجرد الانسان من انسانيته للطبيعة الحيوانية في أبشع صورها.
    *يذهب انصار الموقف الثاني الى فكرة انه يجب مقابلة العنف بالتسامح كفضيلة اخلاقية تعبر عن سمو الانسان ومن ادلتهم مايلي:
-إن الله عز وجل خلق الانسان في احسن صوره وفضله على سائر الخلق ولكن لا ينتظر رد الجميل او الشكر من احد ونجد الكثير من الناس يجحد نعمة ربه ويطغى ، ومع ذلك نجد رحمة الله عز وجل واسعة بل اوسع من رحمة الام بابنها وهذا مايتجلى في قوله جل وعلى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) "سورة البقرة"
-اكد ايمانويل كانط على ضرورة التسامح وفعل الخير لان الواجب يقتضي ذلك فقال "إفعل الخير لانه خير وابتعد عن الشر لانه شر".
-نجد ان هناك الكثير من الدول والحضارات استرجعت حقوقها بالتسامح وهذا ماتجلى في سياسة الكفاح الهندية ضد المستعمر البريطاني حيث تم اعتماد سياسة اللاعنف والتسامح لاسترجاع ارضها بزعامة المهاتما غاندي وفعلا استردت جميع حقوقها بالتسامح دون الحاجة للعنف.
-ان التسامح فضيلة اخلاقية تدل على أن الانسان فعلا كائن عاقل  فالعقل يصنع الحكمة  والحكمة تعني العمل بالتسامح.
       نـــقــــد: على الرغم من اهمية هذا الطرح ولكن من الناحية المنطقية لا يمكن الجمع بين النقيضين(مبدا عدم التناقض) فلا يمكن الجمع بين العنف والتسامح ، وهذا ماعبرت عنه بعض الدراسات الحديثة بانه لا يمكن التخلي عن منطق القوة لانه الاخلاق من صنع الضعفاء وظفوها كوسيلة لحماية أنفسهم من الاقوياء.
   التـــركــــيـــــب: من خلال ماتقدم لنا يتبين لنا أنه من الضروري الاخذ بمنطق الاعتدال بحيث جعل العنف والتسامح مبدأين مشروطين ولكن غير مطلقين حتى لا يتحول الأول الى ظلم ولا يتحول الثاني الى تقاعص وتكاسل في رد الحقوق لاصحابها بمعنى تطبيق العنف بالمعنى الايجابي عند الحاجة والتسامح من باب الفصح في بعض الحالات التي تقتضي ذلك وذلك معناه يمكن مقابلة العنف بعنف بالمعنى الايجابي دون ظلم او مبالغة  او مقابلته بالتسامح في حالات اخرى من باب الفصح والحكمة.

حـــــل المـــشـــــكـــــلـــــــة:

مما تقدم نستنتج ان السبيل للحد من ظاهرة العنف يقتضي العنف والتسامح ، وذلك حسب ماتستدعيه كل حالة  فالحكمة تقتضي التوازن بين العنف والتسامح وهو توازن قائم في ذات الانسانية من حيث هي في طبيعتها تميل الى منطق الوسطية الذي هو مبدأ الشريعة الاسلامية.